فصل: يوم السبت عملوا جمعية ببيت الشيخ السادات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 يوم السبت عملوا جمعية ببيت الشيخ السادات

واجتمع المشايخ والوجاقلية وذلك بأمر من الوزير وأرسل إليهم مكاتبة وفي ضمنها النصيحة والرجوع الى الطاعة فأرسلوا في جواب الرسالة يقولون إنهم ليسوا مخافين ولا عاصين وأنهم مطيعون لأمر الدولة وإنما تأخرهم بسبب خوفهم وخصوصًا ما وقع لإخوانهم باسكندرية وأنهم لم يذهبوا الى عند الانجليز إلا لعلمهم أنهم عسكر السلطان ومن المساعدين له على أعدائه ومتى ظهر لهم أمر يرتاحون فيه رجعوا الى الطاعة ونحو ذلك من الكلام‏.‏

وفي يوم الجمعة سابع عشرينه حضر عابدي بك نسيب مولانا الوزير فخرج إليه غالب أعيان العثمانية والجاويشية وطاهر باشا وعسكر الأرنؤد وتلقوه ودخل بحموله في موكب جليل وكان حضرة الوزير حاصلًا عنده توعك وغالب أوقاته محتجب عن ملاقاة الناس‏.‏

وفيه ورد الخبر بسفر قبطان باشا من ساحل أبي قير الى اديار الرومية في منتصف الشهر وأما محمد باشا الوالي على مصر فإنه لم يزل مقيمًا بأبي قير وحضر خازنداره وسكن ببيت البكري بالأزبكية‏.‏

واستهل شهر شعبان بيوم الثلاثاء سنة 1216 فيه حضر يوسف أفندي وبيده مرسوم بولايته على نقابة الأشراف فبات ببولاق وأرسل ناسًا يعلمون بحضوره فلم يخرج لملاقاته أحد ثم أن بعض الناس أحضر إليه فرسًا فركبه في ثاني يوم وحضر الى مصر وأشاع أنه متولي نقابة الأشراف ومشيخة المدرسة الحبانية وخبر ذلك الإنسان أنه كان يبيع الخدرة واليميش بحانوت بخان الخليلي وهو من متصوفة الأتراك الذين يتعاطون الوعظ والإقراء باللغة التركية فمات شيخ رواق الأروام بالأزهر فاشتاقت نفسه للمشيخة على الرواق المذكور فتولاها بمعونة بعض سفهائهم فنقم عليه الطائفة أمورًا واختلاسات من الوقف فتعصبوا عليه وعزلوه وولوا مكانه السيد حسين أفندي المولى الآن فحنق من ذلك وداخله قهر عظيم وحقد على حسين أفندي المذكور وأضمر له في نفسه المكروه فدعاه يومًا الى داره ودس له سمًا في شرابه فنجاه الله من ذلك وشربت ابنة يوسف أفندي الداعي تلك الكاسة المسمومة غلطًا وماتت وشاع ذلك وتواترت حكايته بين الناس ورجع كيده عليه وذاق وبال أمره‏.‏

ثم أنه سافر الى اسلامبول وأقام هناك مدة إقامة الفرنسيس بمصر ولم يزل يتحيل ويتداخل في بعض حواشي الدولة وعرض بطلب النقابة ومشيخة الحبانية فأعطوه ذلك لعدم علمهم بشأنه وظنهم أنه أهل لذلك بقوله لهم إنه كان شيخًا على الأزهر ومعرفته بالعلم فلما حصل بمصر وظهر أمره تجمعت أعيان الأشراف وقالوا لا يكون هذا حاكمًا ولا نقيبًا علينا أبدًا وتنوقل خبره وظهر حاله لأكابر الدولة وحضرة الصدر الأعظم فلم يصغوا إليه ولم يسعفوه وأهمل أمره وهكذا شأن رؤساء الدولة أدام الله بقاءهم إذا تبين لهم الصواب في قضية لا يعدلون الى خلافه‏.‏

من الحوادث أنه تقيد بأبواق القاهرة بعض من نصارى القبط ومعهم بعض من العسكر فصاروا يأخذون دراهم من كل من وجدوا معه شيئًا سواء كان داخلًا أو خارجًا بحسب اجتهادهم وكذلك ما يجلب من الأرياف وزاد تعديهم فعم الضرر وعظم الخطب وغلت الأسعار وكل من ورد بشيء يبيعه يشتط في ثمنه ويحتج بأنه دفع عليه كذا وكذا من دراهم المكس فلا يسع المشتري إلا التسليم لقوله والتصديق له وقبول عذره والسبب في ذلك أن الذين تقيدوا بديوان العشور بساحل بولاق دس عليهم بعض المتقيدين معهم من الأقباط بأن كثيرًا من المتاجر التي يؤخذ عليها العشور يذهب بها أربابها من طريق البر ويدخلون بها في أوقات الغفلة تحاشيًا عن دفع ما عليها وبذلك لا يجتمع المال المقرر بالديوان فيلزم أن يتقيد بكل باب من يترقب لذلك ويرصده ويأخذ ما يخص الديوان من ذلك فأذن كبراء الديوان بذلك فانفتح لهم بذلك الباب فولجوه ولم يحسبوا للعاقبة من حساب وزادوا في الجور والفضائح وأظهروا ما في نفوسهم من القبائح فساءت الظنون واستغاثت المستغيثون وأكثر سخاف الأحلام مما لا طائل تحته من الكلام إلى أن زاد التشكي وأنهى الأمر الى الوزير فأمر بإبطال ذلك وانجلت تلك الغمة‏.‏

وفيه أيضًا عرض طائفة القبانية وتشكوا مما رتب عليهم من الجمرك السنوي فأطلق لهم الأمر برفعه عنهم‏.‏

وفيه قبضوا على رجل من المفسدين بإقليم المنوفية يقال له راضي النجار وأحضروه الى مصر وقطعت رأسه بالرميلة‏.‏

وفي خامسه نزل محمد باشا توسون والي جدة من القلعة في موكب وتوجه الى العادلية قاصدًا وفي يوم الأربعاء تاسعه قبضوا على ثلاثة من النصارى الأروام المتزيين بزي العساكر الانكشارية ويعملون القبائح بالرعية فرموا رقابهم أحدهم بالدرب الأحمر والثاني بسوق السلاح عند الرفاعي والثالث بالرميلة‏.‏

وفي يوم الخميس عاشره أيضًا قطعوا رأس علي جلبي تابع حسين أغاشنن بباب الخرق بين المفارق بأمر من الوزير والسبب في ذلك أن المرحوم يوسف باشا المذكور الكبير المتوفى بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام كان أودع عند حسين أغاشنن وديعة فلما ملك الفرنسيس مصر وجرى ما جرى من ورود العرضي والصلح ونقضه فاعتقد قصار العقول أن الأمر انتهى للفرنسيس فتجاوزوا الحد وأغروا ببعضهم وتتبعوا العورات وكشفوا عن المستورات ودلوا الفرنسيس على المخبآت وتقربوا إليهم بكل ما وصلت إليه همتهم وراجت به سلعتهم والمسكين المقتول مد يده الى بعض ودائع سيده فاختلس منها وتوسع في نفسه وركب الخيول واتخذ له خدمًا وتداخل مع الفرنسيس وحواشيهم فاستخفوا عقله فاستفسروا منه فأخبرهم بالوقائع والخبايا فاستخرجوها ونقلوها وكانت شيئًا كثيرًا جدًا وأظهر أن ذلك لم يكن بواسطته ليواري ما اختلسه لنفسه ويكون له عذر في ذلك فلما حضر له سيده صحبة العرضي ذهب إليه وتملق له وربط في رقبته منديلًا فأهمل أمره الى هذا الوقت حتى اطمأن خاطره ثم أنه أخبر بقصته الوزير لعلمه أنه سيطالب بوديعة يوسف باشا فأمره بأن يرفع قصته الى القاضي ويثبت تلك الدعوى لتبرأ ساحته عند الدولة ففعل ثم أمر الوزير بقتل علي جلبي المذكور فقتل وترك من ميا ثلاثة أيام بلياليها‏.‏

شهر رمضان المعظم سنة 1216 استهل بيوم الأربعاء ولم يعمل فيه شنك الرؤيا على العادة خوفًا من عربدة العساكر والمحتسب كان غائبًا فركب كتخداه بدلًا عنه بموكبه فقط ولم يركب معه مشايخ الحرف فذهب الى المحكمة وثبت الهلال تلك الليلة ونودي بالصوم من الغد‏.‏

وفيه أمر الوزير محمد باشا العربي بالسفر الى البلاد الشامية فبرز خيامه الى خارج باب النصر وخرج هو في ثالثه وسافر وأشيع سفر الوزير أيضًا وذلك بعد أن حضرت أجوبة من الباب الأعلى‏.‏

وفي ثالثه ارتحل محمد باشا المذكور‏.‏

وفي خامسه انتقل رئيس أفندي من بيت الألفي وسكن في بيت اسمعيل بك وشرعوا في تعميره وإصلاحه لسكن والي مصر‏.‏

وفي ثاني عشره وصل محمد باشا والي مصر الى شلقان‏.‏

وفي ثالث عشره ضربت عدة مدافع من الجيزة صباحًا ومساء فقيل إنه حضر ستة قناصل الى وفي خامس عشره حضر القناصل المذكورون الى بيت الوزير وقابلوه فخلع عليهم خلعًا ورجعوا الى أماكنهم في الجيزة‏.‏

وفي ذلك اليوم وصل محمد باشا والي مصر الى جهة بولاق ونصب وطاقه بالقرب من المكان المعروف بالحلي ثم انتقل الى جهة قبة النصر فلما كان يوم الجمعة سابع عشره وصل الى المدينة من باب النصر في موكبه وطوائفه على غير الهيئة المعتادة ولم يلبس الطلخان تأدبًا مع الوزير لحصوله بمصر فتوجه الى بيت الوزير وأفطر معه‏.‏

وفي تلك الليلة عزل خليل أفندي الرجائي من دفتردارية الدولة وقلد عوضه حسن أفندي باش محاسب وسببه أن الوزير طلب خلعًا ليخلعها على والي مصر وقناصل الانكليز فتأخر حضورها فحنق وسأل عن سبب تأخير المطلوب فقال الرسول إن الخازندار قال حتى استأذن الدفتردار فحنق الوزير وأمر بحبس الخازندار وعزل الدفتردار وهرب السفير الذي كان بينهما‏.‏

وفيه انتقل الأمراء المصرلية المرادية من الجيزة الى جزيرة الذهب ونصبوا وطاقهم بها وأرسلوا ما كان عندهم من الحريم الى دورهم بمصر واستمر ابراهيم بك وعثمان بك الحسيني ومحمد بك المبدول وقاسم بك أبو سيف بالجيزة ولم يعلم حقيقة حالهم ثم في ثاني يوم لحق ابراهيم بك وباقي الجماعة بالآخرين وخرج إليهم طلبهم ومتاعهم وأغراضهم فلما كان ليلة الاثنين تاسع عشره ركبوا ليلًا بأجمعهم الى الصعيد من الجهة الغربية وتخلف عنهم قاسم بك أبو سيف لمرضه وكذلك تخلف عنهم محمد آغا أغات المتفرقة وآخرون‏.‏

وفي عشرينه نودي بالأمان على المماليك وأتباعهم ومن تخلف عنهم أو انقطع منهم وكذلك في ثاني يوم‏.‏

وفيه قلد محمد باشا والي مصر حسن آغا وألبسه على جرجا‏.‏

وفي ثامن عشرينه عزل الباشا محمد آغا المعروف بالزربة من الكتخدائية وهو من المصرلية وولاه كشوفية الغربية وتقلد عوضه في الكتخدائية يوسف آغا أمين الضربخانة سابقًا وتقلد كشوفية المنوفية وتقلد كشوفية القليوبية‏.‏

وفي ليلة الأربعاء تاسع عشرينه ذهب يوسف أفندي الى عند والي مصر فقلده نقابة الأشراف وألبسه فروة بعد أن كان أهمل أمره‏.‏

وفيه عزل أغات الانكشارية وتولى آخر عوضه من العثمانية ونزل المعزول الى بولاق ليسافر الى جهة الصعيد‏.‏

شهر شوال سنة 1216 استهل بيوم الخميس في ثالثه يوم السبت خرج جاليش الوزير الى قبة النصر ونودي بخروج العساكر ويكون آخر خروجهم يوم الاثنين فشرعوا في الخروج بأحمالهم ودوابهم فلما كان يوم الاثنين خامسه خرج الوزير على حين غفلة الى قبة النصر وتتابع خروج الأثقال والأحمال والعساكر وحصل منهم في الناس عربدة وأذية وأخذ بعضهم من عطارين القصر ابن ثلاثة أرطال بن ثمنها مائة وعشرون نصفًا فرمى له عشرين نصفًا فصرخ الرجل وقال أعطني حقي فضربه وقتله فأغلق الناس الحوانيت وانكفوا في دورهم فاستمرت جميع حانيت البلدة مغلوقة حتى سافرت العساكر وانتقلت من قبة النصر ولازم حضرة محمد باشا والي مصر وطاهر باشا على المرور والطواف بالشوارع بالتبديل وثياب التخفيف ليلًا ونهارًا ولولا ذلك لحصل من العسكر ما لا خير فيه‏.‏

وفيه كتبت فرمانات وألصقت بالشوارع ومفارق الطرق مضمونها بأن لا أحد يتعرض بأذية لغيره وكل من كان له دعوى أو شكية فليرفع قصته الى الباشا وكل إنسان يمشي في زيه وقانونه القديم ويلازموا على الصلوات بالجماعة في المساجد ويوقدوا قناديل ليلًا على البيوت والمساجد والوكائل والخانات التي بالشوارع ولا يمر أحد من العسكر من بعد الغروب والذي يمشي بعد الغروب من أهل البلد يكون معه فانوس أو سراج ويبيعون ويشترون بالحظ والمصلحة ولا أحد يخفي عنده أحدًا من عسكر العرضي والذي يبقى منهم بيده يعاقب وأن القهاوي المحدثة جميعها تغلق ولا يفتح لا القهاوي القديمة الكبار ولا يبيت أحد من العسكر في قهوة ولا يبيعون المسكرات ولا يشترونها إلا الكفرة سرًا وأمثال ذلك فانسرت القلوب بتلك الفرمانات واستبشروا بالعدل‏.‏

وفيه خرجت عساكر وسافرت الى جهة قبلي وعدتهم ستة آلاف وذلك بسبب الأمراء المصرلية الهربانين وقرر لهم بأن من أتى برأس صنجق فله ألف دينار أو كاشف فله ثلثمائة أو جندي أو مملوك فله مائة‏.‏

وفي يوم السبت ركب الوزير من قبة النصر وارتحل العرضي الى الخانكة وعند ركوبه حضر إليه السيد عمر أفندي النقيب وبعض المتعممين لوداعه فأعطاهم صررًا وقرؤوا له الفاتحة وركب وخرج أيضًا في ذلك اليوم بقية المشايخ وذهبوا الى الخانكة أيضًا ودعوه ورجعوا‏.‏

وفي يوم الاثنين ثاني عشره أحضر الباشا محمد آغا الوالي وسليم آغا المحتسب وأمر برمي رقابهما فقطعوا رأس الوالي تحت بيت الباشا على الجسر والمحتسب عند باب الهواء وختم على دورهما في تلك الساعة وشاع خبر ذلك في البلد فارتاع الناس لذلك واستعظموه وداخل الخوف أهل الحرف مثل الجزارين والخبازين وغيرهم وعلقوا اللحم الكثير بحوانيتهم وباعوه بتسعة أنصاف بعد أن كانوا يبيعونه بأحد عشر مع قلته واحتكاره وكانوا نبهوا عليهم قبل ذلك فلم وفي صبحها يوم الثلاثاء قلد علي آغا الشعراوي الزعامة عوضًا عن محمد آغا المقتول وزين الفقار كتخدا أمين احتساب عوضًا عن سليم آغا أرنؤد المقتول أيضًا واجتمعوا ببيت القاضي وحضر أرباب الحرف وعملوا قائمة تسعيرة لجميع المبيعات من المأكولات وغيرها فعملوا اللحم الضاني بثمانية أنصاف والماعز بسبعة والجاموسي بستة وأن لا يباع فيه شيء من السقط مثل الكبدة والقلب وغير ذلك والسمن المسلي بمائة وثمانين نصفًا العشرة أرطال بعد أن كانت بثلثمائة وأربعين والزبد العشرة بمائتين وستين بعد أن كانت بمائتين وأربعين‏.‏

وجميع الخضراوات تباع بالرطل حتى الفجل والليمون والجبل الذي بخيره بثلاثة أنصاف بعد عشرة والخبز رطل بنصف فضة وكذلك جميع الأشياء العطرية والأقمشة العشرة أحد عشر والراوية الماء بعشرة أنصاف بعد عشرين وغير ذلك ورسموا بأن الرطل في الأوزان مطلقًا يكون قباني اثنى عشر وقية وأبطلوا الرطل الزياتي الذي يوزن به الأدهان والأجبان والخضراوات وهو أربعة عشر وقية فلم يستمر من هذه الأوامر بعد ذلك سوى نقص الأرطال ولما برزت هذه الرسوم هرع الناس لشراء اللحم والمأكولات حتى فرغ الخبز من الأفران وشق المحتسب فقبض على جماعة من الخبازين وخزم آنافهم وعلق فيها الخبز وكذلك الجزارون خزمهم وعلق في آنافهم اللحم وأكثر حضرة الباشا وعظماء أتباعه من التجسس وتبديل الشكل والملبوس والمرور والمشي ولزموا الأدب ومشى كل أحد في طريقته ودربه ومشت النساء كعادتهن في الأسواق لقضاء أشغالهن فلم يتعرض لهن أحد من العسكر كما كانوا يفعلون‏.‏

وفي يوم الخميس خامس عشره ارتحل الوزير من بلبيس‏.‏

وفي يوم السبت سابع عشره سافر خليل أفندي الرجائي الدفتردار المعزول في البحر من طريق دمياط وانتقل شريف أفندي الدفتردار الى الدار التي كان بها الأول وهي دار البارودي بباب الخرق‏.‏

وفي يوم الاثنين تاسع عشره كان موكب أمير الحاج عثمان بك وصحبته المحمل على العادة وخرج في أبهة ورونق وانسرت القلوب في ذلك اليوم الى لقائه ونجز له جميع اللوازم مثل الصرة وعوائد العربان وغير ذلك وكان المتقيد بتشهيل ذلك وبجميع اللوازم حضرة شريف أفندي الدفتردار‏.‏

وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه شنقوا ثلاثة أنفار في جهات مختلفة تزيوا بزي العسكر يقال إنهم من الفرنسيس افتقدوهم من العسكر المتوجه الى الحج‏.‏

وفي ذلك اليوم عمل حضرة الباشا ديوانًا وأرسل الجاويشية الى جميع المشايخ والعلماء وخلع عليهم خلعًا سنية زيادة على العادة أكثر من سبعين خلعة وكذلك على الوجاقلية والأفندية وجبر خاطر الجميع وكانت العادة في هذا التلبيس أن يكون عند قدومه والسبب في تأخيره لهذا وفي يوم الخميس تاسع عشرينه انتقل أمير الحاج بالركب من الحصوة الى البركة‏.‏

وفيه ركب حضرة محمد باشا الى الإمام الشافعي فزاره وأنعم على الخدمة بستين ألف فضة وألبسهم خلعًا وفرق دنانير ودراهم كثيرة في غير محلها وكذلك يوم الجمعة ركب وتوجه الى المشهد الحسيني فصلى الجمعة وخلع على الإمام الراتب والخطيب وكبير الخدمة فراوي وفرق دراهم كثيرة في طريقه ورجع من ناحية الجمالية وكان في موكب جليل على الغاية‏.‏

وفيه أمر المشار إليه بنصف عدة مشانق عند أبواب المدينة برسم الباعة والمتسببين والخبازين وغيرهم وأكثر أرباب الدرك من المرور والتجسس والتخويف وعلقوا عدة أناس من الباعة على حوانيتهم وخزموهم من آنافهم فرخص السعر وكثرت البضائع والمأكولات وحصل الأمن في الطرق وانكفت العربان وقطاع الطريق فحضرت الفلاحون من البلاد وكثر السمن والجبن والأغنام وكبر العيش وكثر وجوده وانحط سعر السمن عن التسعيرة عشرين نصفًا لكثرته ولله الحمد وهاب الناس هذا الباشا وخافوه وصاروا يترنمون به في البلاد والأرياف ويغنون بذكره حتى الصبيان في الأسواق ويقولون سيدي يا محمد باشا يا صاحب الذهب الأصفر وغير ذلك وكان في مبدأ أره يظنه الظمآن ماء‏.‏

استهل بيوم السبت فيه نهبت العربان قافلة التجار الواصلة من السويس‏.‏

وفي ثانيه حضر السيد أحمد الزرو الخليلي التاجر بوكالة الصابون بديوان الباشا وتداعى على جماعة من التجار وثبت له عليهم عشرة آلاف ريال فأمر الباشا بسجنهم‏.‏

وفي رابعه يوم الثلاثاء حضر السيد أحمد المذكور الى بيت الباشا فأمر بقتله فقبض عليه جماعة من العسكر وقطعوا رأسه عند المشنقة حيث قنطرة المغربي على قارعة الطريق وختموا على موجوده وأخذ الباشا ما ثبت له على المحبوسين والسبب في ذلك أوشى الى الباشا أنه كان يحب الفرنسيس ويميل إليهم ويسالمهم وعند خروجهم هرب الى الطور خوفًا من العثمانية ثم حضر بأمان من الوزير‏.‏

وفي يوم الجمعة حضر المشار إليه الى الجامع الأزهر بالموكب فصلى به الجمعة وخلع على الخطيب فروة سمور وفرق ونثر دراهم ودنانير على الناس في ذهابه وإيابه وتقيد قبي كتخداه واسمعيل أفندي شقبون بتوزيع دراهم على الطلبة والمجاورين بالأروقة والعميان والفقراء ففرقوا فيهم نحو خمسة أكياس‏.‏

وفيه عمل الشيخ عبد الله الشرقاوي وليمة لزواج ابنه ودعا حضرة المشار إليه فحضر في يوم الأحد ثانيه وحضر أيضًا شريف أفندي وعثمان كتخدا الدولة فتغدوا عنده وأنعم على ولد الشيخ بخمسة أكياس رومية وألبسه فروة سمور وفرق على الخدم والفراشين والقراء دنانير ودراهم بكثرة وكذلك دفع عثمان كتخدا وشريف أفندي كل واحد منهم كيسًا وانصرفوا‏.‏

وفي يوم الأربعاء خامسه حضر الباشا محمد أغات المعروف بالوسيع أغات المغاربة وأمر بقتله فقطعوا رأسه على الجسر ببركة الأزبكية قبالة بيت الباشا لأمور نقمها عليه وكتبت في ورقة وضعت عند رأسه‏.‏

وفي يوم الخميس سادسه توفي قاسم بك أبو سيف على فراشه‏.‏

وفي منتصفه وردت الأخبار من الجهة البحرية بضياع نحو الخمسين مركبًا حلت مراسيها من ثغر اسكندرية مشحونة بمتاجر وبضائع وكانت معوقة بكرنتينة الانكليز فلما أذنوا لهم بالسراح فما صدقوا بذلك فصادفتهم فرتونة خرجت عليهم فضاعوا بأجمعهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏

وفيه طلب الباشا المشايخ وتكلم معهم في شأن الشيخ خليل البكري وعزله عن وظيفته وسأل رأيهم في ذلك فقالوا له الرأي لحضرتكم فقال إن الشيخ خليلًا لا يصلح لسجادة الصديق وأريد عزله عنها من غير ضرر عليه بل أعطيه إقطاعًا لنفقته والقصد أن تروا رأيكم بعد اختلاف كبير على تقليد ذلك لمحمد سعد من أولاد جلال الدين فلما حضروا في اليوم الثاني أخبروه بذلك وأنه يستحقها إلا أنه فقير فقال إن الفقر ليس بعيب فأحضروه وألبسه فروة سمور وأركبه فرسًا بعباءة مزركشة وأنعم عليه بثمانين ألف درهم وكان من الفقراء المحتاجين للدرهم الفرد ولما ذهب للسلام على الشيخ السادات خلع أيضًا فروة سمور عليه‏.‏

وفي يوم الاثنين رابع عشرينه توفي الى رحمة الله الشيخ مصطفى الصاوي الشافعي وكان عالمًا نجيبًا وشاعرًا لبيبًا وقد ناهز الستين‏.‏

وفيه جهزت عدة من العسكر الى قبلي‏.‏

وفيه نودي بأن خراج الفدان مائة وعشرون نصفًا وكذلك نودي برفع عوائد القاضي والأفندي التي كانت تؤخذ على إثبات الجامكية والجراية والرفق بعوائد تقاسيط الالتزام والإقطاع‏.‏

وكتبوا بذلك أوراقًا وألصقت بالأسواق وفي آخرها لا ظلم اليوم أي مما تقرر قبل اليوم فإن الفدان بلغ في بعض القرى بمصاريفه ومغارمه أربعة آلاف نصف فضة وأما بدعة القاضي وعوائد التقاسيط فزادت عن أيام الوزير وزاد على ذلك إهمال الأوراق ببيت الباشا لأجل العلامة شهرين وأربعة حتى يسأم صاحبها وتحفى أقدامه من كثرة الذهاب والمجيء ومقاساة الذل من الخدل والأتباع ورفع التفتيش والرشوة على التعجيل أو يتركها وربما ضاعت بعد طول المدة فيحتاج الى استئناف العمل‏.‏

استهل بيوم الأحد في رابعه حضر خمسة أشخاص من الكشاف القبالي من أتباع ابراهيم بك الوالي الى مصر بأمان فقابلوا حضرة والي مصر وأنعم عليهم وألبسهم خلعًا‏.‏

وفيه أنعم على خدامهم وفيه عمل الانكليز كرنتينة بالجيزة ومنعوا من يدخلها ومن يخرج منها وذلك لتوهم وقوع الطاعون وورود الأخبار بكثرته في جهة قبلي وبعض البلاد البحرية وأما المدينة ففيها بعض تنقير‏.‏

وفي يوم الاثنين تاسعه كان يوم الوقوف بعرفة وعملوا في ذلك اليوم شنكًا ومدافع وحضرت أغنام وعجول كثيرة للأضحية حتى امتلأت منها الطرقات وازدحمت الناس وأفراد العسكر على الشراء وغيمت السماء في ذلك اليوم وأمطرت مطرًا كثيرًا حتى توحلت الأزقة ونودي بفتح الحوانيت والقهاوي والمزينين ليلًا وإظهار الفرح ولاسرور وإظهار بهجة العيد واستمر ضرب المدافع في الأوقات الخمسة ونودي أيضًا بالمواظبة على الاجتماع للصلوات في المساجد وحضور الجمعة من قبل الصلاة بنصف ساعة وأن يسقوا العطاش من الأسبلة ولا يبيعون ماءها وأشيع سفر الانكليز وسفر عثمان كتخدا الدولة وتشهيل الخزينة‏.‏

وفي خامس عشره حضر قاصد من الديار الرومية بمكاتبات وتقرير نقابة الأشراف للسيد عمر وعزل يوسف أفندي فلما كان في صبحها يوم الأحد ركب السيد عمر المذكور وتوجه الى عند الباشا فألبسه خلعة سمور ثم حضر الى عند الدفتردار كذلك وكانت مدة ولاية يوسف أفندي المعزول شهرين ونصفًا‏.‏

وفي يوم الأربعاء ثامن عشره خرج أحمد آغا خورشيد أمير الاسكندرية الى بولاق قاصدًا السفر الى منصبه وركب الباشا لوداعه في عصريته وضربوا عدة مدافع من بولاق وبر انبابة ونودي في ذلك اليوم بأن لا أحد يواري أحدًا من الانكليز أو يخبيه وكل من فعل ذلك عوقب‏.‏

وفي خامس عشرينه قبضوا على امرأة سرقت أمتعة من حمام وشنقوها عند باب زويلة وانقضت هذه السنة وما تجدد بها من الحوادث التي جملتها أن شريف أفندي الدفتردار أحدث على الرزق الأحباسية المرصدة على الخيرات والمساجد وغيرها مال حماية على كل فدان عشرة أنصاف فضة وأقل وأكثر في جميع الأراضي المصرية القبلية والبحرية وحرروا بذلك دفاتر فكل من كان تحت يده شيء من ذلك قل أو كثر يكتب له عرضحال ويذهب به الى ديوان الدفتردار فيعلم عليه علامته وهي قوله قيد بمعنى أنه يطلب قيوده من محله التي تثبت دعواه ثم يذهب بذلك العرضحال الى كاتب الرزق فيكشف عليها في الدفاتر المختصة بالإقليم الذي فيه الارصاد بموجب الإذن بتلك العلامة فيكتب له ذلك تحتها بعد أن يأخذ منه دراهم ويطيب خاطره بحسب كثرة الطين وقلته وحال الطالب ويكتب تحته علامته فيرجع به الى الدفتردار فيكتب تحته علامة غير الأولى فيذهب به الى كاتب الميري فيطالبه حينئذ بسنداته وحجج تصرفه ومن أين وصل إليه ذلك فإن سهلت عليه الدنيا ودفع له ما أرضاه كتب له تحت ذلك عبارة بالتركيب لثبوت ذلك وإلا نعنت على الطالب بضروب من العلل وكلفه بثبوت كل دقيقة يراها في سنداته وعطل شغله فما يسع ذلك الشخص إلا بذل همته في تتميم غرضه بأي وجه كان إما أن يستدين أو يبيع ثيابه ويدفع ما لزمه فإن ترك ذلك وأهمله بعد اطلاعهم عليه حلوه عنه ورفعوه وكتبوه لمن يدفع حلوانه ثلاث سنوات أو أكثر وكتبوا له سندًا جديدًا يكون هو المعول عليه بعد ويقيد بالدفاتر ويبطل اسم الأول وما بيده من الوقفيات والحجج والإفراجات القديمة ولو كانت عن أسلافه ثم يرجع كذلك الى الدفتردار فيكتب له علامة لكتابة الاعلام فيذهب به الى الإعلامجي فيكتب له عبارة أيضًا في معنى ما تقدم ويختم تحتها بختم كبير فيه اسم الدفتردار ويأخذ على ذلك دراهم أيضًا وبعد ذلك يرجع الى الدفتردار فيقرر ما يقرره عليها من المال يقال له مال الحماية ثم يذهب بها الى بيت الباشا ليصحح عليها بعلامته ويطول عند ذلك انتظاره لذلك ويتفق إهمالها الشهرين والثلاثة عند الفرمانجي‏.‏

وصاحبها يغدو ويروح في كل يوم حتى تحفى قدماه ولا يسهل به تركها بعدما قاساه من التعب وصرفه من الدراهم فإذا تمت علامتها دفع أيضًا المعتاد الذي على ذلك ورجع بها الى بيت الدفتردار فعند ذلك يطلبون منه ما تقرر عليها فيدفعه عن تلك السنة ثم يكتبون له سندًا جديدًا ويطالب بمصروفه أيضًا وهو شيء له صورة أيضًا فلا يجد بدًا من دفعه ولايزال كذلك يغدو ويروح مدة أيام حتى يتم له المراد‏.‏

ومنها المعروف بالجامكية ومرتبات الغلال بالأنبار وذلك أن من جملة الأسباب في رواج حال أهل مصر المتوسطين وغناهم ومدار حال معاشهم وإيرادهم في السابق هذان الشيئان وهما الجامكية والغلال التي يقال لها الجرايات التي رتبها الملوك السالفة من الأموال الميرية للعساكر المنتسبة للوجاقات والمرابطين بالقلاع الكائنة حوالي الإقليم ومنها ماهو للأيتام والمشايخ والمتقاعدين ونحوهم وكانت من أرواج الإيراد لأهل مصر وخصوصًا أهل الطبقة الذين ليس لهم إقطاع ولا زراعات ولا تجارات كأهل العلم ومساتير أولاد البلد والأرامل ونحوهم وثبت وتقرر إيرادها وصرفها في كل ثلاثة أشهر من أول القرن العاشر الى أواخر الثاني عشر بحيث تقرر في الأذهان عدم اختلالها أصلًا ولما صارت بهذه المثابة تناقلوها بالبيع والشراء والفراغ وتغالوا في أثمانها ورغبوا فيها وخصوصًا لسلامتها من عوارض الهدم والبناء كما في العقار وأوقفوها وأرصدوها ورتبوها على جهات الخيرات والصهاريج والمكاتب ومصالح المساجد ونفقات أهل الحرمين وبيت أهل المقدس وأفتى العلماء بصحة وقفها لعلة عدم تطرق الخلل فلما اختلت الأحوال وحدثت الفتن وطمع الحكام والولاة في الأموال الميرية ضعف شأنها ورخص سعرها وانحط قدرها وافتقر أربابها ولم تزل في الانحطاط والتسفل حتى بيع الأصل والإيراد بالغين الفاحش جدًا وتعطل بسبب ذلك متعلقاتها‏.‏

ولم يزل حالها في اضطراب الى أن وصل هؤلاء القادمون وجلس شريف أفندي الدفتردار المذكور ورأى الناس فيه مخايل الخير لما شاهدوه فيه من البشاشة وإظهار الرفق والمكارم غرض الناس عليه شأن العلوفة المذكورة والغلال فلم يمانع في ذلك وكتب الإذن على الأوراق كعادته وذهب بها أربابها الى ديوان الكتبة وكبيرهم يسمى حسن أفندي باش محاسب وهو من العثمانيين عارض في حسابها وقال‏:‏ إن العثماني اسم لواحد الأقجة وصرفه عندنا بالروم كل ثلاث أقجات بنصف فضة وما في دفاتركم يزيد في الحساب الثلث فعورض وقيل له إن الأقجة المصري كل اثنين بنصف بخلاف اصطلاح الروم وهذا أمر تداولنا عليه من قديم الزمان ولم يزل حتى فقد ذلك المشروع ومشوا على فقد الثلاث ورضي الناس بذلك لظنهم رواج الباقي وعند استقرار الأمر بذلك أخذوا يتعنتون على الناس في الثبوت وقد كان الناس اصطلحوا في أكثرها عند فراغها على عدم تغيير الأسماء التي رقمت بها وخصوصًا بعد ضعفها فيبيعها البائع ويأخذها المشتري بتمسك البيع فقط ويترك سند الأصل بما فيه من الاسم القديم عنده أو تكون باسم الشخص ويموت وتبقى عند أولاده فجعلوا معظمها بهذه الصورة وأخذوه لأنفسهم وأعطوا منه لأغراضهم بعد رفع الثلث الأصل وثلث الإيراد وضاعت على أربابها مع كونهم فقراء وكذلك فعلوا في أوراق الغلال وجعلوها بدارهم عن كل أردب خمسون نصفًا غلا أو رخص وزاد في القيود التي تكتب على العرضحالات المصطلحين عليها بأن يكتب عليها أيضًا قاضي العسكر بعد حسابهم مقدار العلوفة والغلال ويأخذ على كل عثماني نصفين أو أقل أو أكثر وعلى كل أردب قرشًا روميًا وكل ذلك حيلة على أخذ المال بطريق شيطاني وحرروا ما حرروه ودفعوا للناس ما دفعوه مقسطًا على الجمع والشهور‏.‏

رضوا بذلك وفرحوا به لظنهم دوامه واستعوضوا الله فيما ذهب لهم وختموا الدفتر على مقدار ما عرض عليهم وما ظهر بعد ذلك لا يعمل به ويذهب في المحلول ولما انقضت هذه السنة الأخرى وافتتح الناس الطلب قيل لهم إن الذي أخذتموه هو عن السنة القابلة وقد قبضتموها معجلة وعزل شريف أفندي الدفتردار في إثرها ووصف خليل أفندي الرجائي واضطربت الأحوال ولم ينفع القيل والقال كما يأتي‏.‏